بين كوريا الشمالية والعالم المنفتح: عندما يكشف العزل عن الانهيار الأخلاقي العالمي في مشهد صادم ومليء بالدلالات، حصل أحد السياح بواسطة الة تصوير خفية على فيديو نادر من داخل كوريا الشمالية، البلد المعروف بعزلته الإعلامية والسياسية الصارمة. ما لفت الانتباه في هذا الفيديو لم يكن فقط غياب الإشهارات أو العلامات الغربية، بل شيئ أعمق وأكثر تأثيرًا: الناس هناك يجهلون تمامًا ما يحدث في بقية العالم من تدهور أخلاقي وانحلال سلوكي. لا يعرفون شيئًا عن ما يُروج له من انحرافات فكرية وسلوكية، ولا يعيشون داخل دوامة التفاهة والترفيه السطحي الذي يهيمن على المجتمعات المنفتحة. ما يُلاحظ في وجوه الناس هناك هو تركيز حقيقي على الدراسة، على تحقيق الأهداف الشخصية، وعلى الحفاظ على نظام حياتي صارم ومنضبط. قد يبدو هذا في نظر البعض ناتجًا عن قمع أو تحكم، لكن النتيجة الأخلاقية والمجتمعية تبقى مبهرة مقارنة بما آل إليه الوضع في بقية دول العالم، خصوصًا تلك التي تعيش تحت سطوة "الحرية المفتوحة"، التي تحولت في كثير من الأحيان إلى باب للفوضى والانحلال بدل أن تكون أداة للنهضة والتحرر الحقيقي. في مقابل ذلك، يشهد العالم المنفتح اليوم انهيارًا أخلاقيًا متسارعًا، تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام المستهلك، والثقافات العابرة التي تروج لكل ما هو رخيص ومثير على حساب القيم والهوية. الشباب منشغل بتحديات فارغة، ومظاهر زائفة، ومفاهيم مشوهة للحرية والنجاح. التفاهة صارت مقياس الشهرة، والانحلال صار "فنًا"، والتمرد على كل ما هو طبيعي صار موضة العصر. قد لا تكون كوريا الشمالية مثالية، بل هي دولة تُتهم بانتهاكات حقوق الإنسان، لكن ما كشفه هذا الفيديو يُثير سؤالًا عميقًا: هل العزلة، في بعض جوانبها، تحفظ الإنسان من السقوط؟ وهل أصبح الانفتاح بلا ضوابط خطرًا أكبر من الانغلاق؟ بين واقع يزداد تسارعًا نحو التفسخ، ومجتمعات منغلقة تحافظ -رغم قسوتها- على نسيجها الأخلاقي، يبقى الإنسان اليوم في مفترق طرق، يبحث فيه عن التوازن بين الحرية والضوابط، بين المعرفة والانفلات، بين أن يكون حرًا… وألا يضيع.
نزار عمرو
Delete Comment
Are you sure that you want to delete this comment ?